Follow me on Twitter

الجمعة، 20 يناير 2012

واحنا مش واخدين بالنا

والبرلمان المنتخب؟ والإرادة الشعبية؟

لا تقال هاتان العبارتين (ودائما بصيغة السؤال البلاغى الاستنكارى الذى يكاد أن يلم عليك الناس تجريسا لفعلك الفاضح فى الطريق العام) إلا بغرض واحد: أن يلقمك القائل حجرا تنكتم بعده فلا تنطق. وإن نطقت فأنت تستحق كل ما هو بسبيل إلصاقه بك من سلسلة الاتهامات التالية:
1-   التعالى على الشعب.
2-   النخبوية البغيضة.
3-   الجهل المركب.
4-   الخيانة والعمالة لأعداء الأمة.
5-   ثم الزغلولة الكبرى: تعمد شق وحدة الصف خدمة لأهداف العسكر.

مع أن الأمر فى الحقيقة لا يتعلق بالشعب ولا بالإرادة الشعبية, التى هى محور السلطة وعمادها فى أى نظام يريد أن يوصف بأنه ديمقراطى, بقدر ما يتعلق بالمؤسسات المسؤولة عن حماية تلك الإرادة الشعبية من التلاعب اللاديمقراطى, وصيانة حريتها فى التعبير عن نفسها فى وجه أى تجاوز سلطوى, من أية سلطة.

لكن لنبدأ من البداية, لنبدأ بالسؤال أو مجموعة الأسئلة التى قادت إلى ما سبق:
1-   هل نحتاج مرحلة انتقالية بعد ثورة 25 يناير 2011 أم لا؟
2-   وإذا كانت إجابة 1 بالإيجاب, فلماذا؟ لإصلاح الحياة السياسية أم لسبب آخر؟
3-   وإذا كانت إجابة 2 بأى نعم لإصلاح الحياة السياسية, فهل يكون انتخاب البرلمان بداية هذا الإصلاح أم مسك ختامه؟

ليس تعاليا على الإرادة الشعبية إذن, وليس هنالك شبهة, مجرد شبهة, احتقار للشعب, أن يقال إن البرلمان الذى انتخبه لا يعبر عنه تمام التعبير, وأنه لن يحقق مصالحه التى سيطول انتظاره لها إذا انتظرها من هذا البرلمان.
لأن الاحتقار هنا, كل الاحتقار, إنما ينصب على المؤسسات التى انتخب هذا البرلمان فى ظلها, المؤسسات التى كانت أكبر داعم للمخلوع فى طغيانه وفساده, والتى لم تمتد إليها حتى اليوم ـ بعد عام ينقص أياما قليلة من الثورة ـ أى يد بتغيير أو إصلاح أو تطهير.

الاحتقار كل الاحتقار لمؤسسة القضاء الفاسد, الذى لا يعرف من العدالة حتى اسمها, الذى برّأ ويبرّئ وسيبرّئ القتلة وهو يرى الدماء على أيديهم, الذى أشرف على انتخابات مبارك ويشرف وسيشرف على انتخابات خلفائه فى الطغيان والفساد, الذى قاوم كل محاولة للإصلاح من داخله, وتضاءل وتصاغر حتى صارت أقصى أمانيه أن ينال حقا لا ينازعه فيه منازع بتوريث الأنجال مناصب الآباء.

الاحتقار كل الاحتقار لمؤسسة النيابة العامة, التى كلفها القانون بالدفاع عن حق المجتمع فإذا بها تحمى جماعة من القتلة والمجرمين وهواة التعذيب من أحط وأسفل خلق الله فى أرضه على امتداد تاريخها, ثم تتنطع لملاحقة المدافعين الحقيقيين عن هذا المجتمع وعن حريته وكرامته, فتدقق فى كل بلاغ يقدمه فى حقهم عتل زنيم من أذناب هذا النظام القذر, حتى ولو كان كلبا أجرب يستنكف أى مواطن شريف يعرف معنى الكرامة أن يتنفس معه هواء واحدا.

الاحتقار كل الاحتقار لمؤسسة الشرطة التى لا  نحتاج أصلا للحديث عن فسادها وطغيانها, ناهيك عن فشلها والانعدام التام للكفاءة والمهنية بداخلها.

الاحتقار كل الاحتقار للقوانين المنظمة للحياة السياسية, التى سمحت فجأة, وكأنما بحيلة من حيل المونتاج السينمائى, سمحت لجماعات كانت بالأمس ـ بالأمس فعلا لا مجازا ـ تحرّم السياسة والتحزب وتكفّر الديمقراطية والديمقراطيين, سمحت لها اليوم بإنشاء أحزاب أنفقت ملايين غير معلومة المصدر بين يوم وليلة لشراء المقرات ورفع اللافتات.

الاحتقار كل الاحتقار للقوانين المنظمة للدعاية الانتخابية, التى سمحت وتسمح وستسمح باستغلال شظف عيش الناس ومعاناتهم اليومية للحصول على أبسط ضرورات الحياة, لتحويله إلى لحم رخيص لا يباع لهم إلا قبل الانتخابات, وأنابيب غاز لا تأتيهم حتى البيوت ـ إن كان لهم بيوت ـ إلا قبل الانتخابات, ناهيك عن قذارة التعريض بعقيدة المنافسين والتفتيش فى قلوبهم التى فى الصدور.

فهل يمكن بناء حياة سياسية سليمة على كل هذا الاحتقار؟ وهل يمكن للفترة الانتقالية أن تبدأ مع كل هذا الاحتقار؟ أم أنها بدأت وانتهت واحنا مش واخدين بالنا؟