Follow me on Twitter

الخميس، 5 يوليو 2012

الرعاية الصحية فى مصر ـ استعنا عالشقا بالله (5)

الفكرة المركزية فى السلسلة دى هى إن وضع الرعاية الصحية فى مصر سىء جدا صحيح، وبيعانى من نقص فادح فى الإنفاق على قطاعه الحكومى صحيح، لكن  وجهة نظرى المتواضعة هى إن جزء كبير من المشاكل ناتج عن حقيقة معينة تتجاهلها وزارة الصحة بتعمد واستهبال مع سبق الإصرار والترصد: 
مستشفيات وزارة الصحة المسؤولة عن تقديم الرعاية الصحية للأغلبية العظمى من سكان هذا البلد عاجزة عن تقديم رعاية مقبولة بسبب نقص مهارة وتدريب العاملين بها، ليس لعيب فيهم، بل لوجود جهات تحتكر المعرفة والمهارات الطبية لنفسها، حتى لا ينافسها أحد على ما يسمى بـ"السوق" ـ ووزير الصحة شخصيا ينتمى دائما إلى تلك الجهات. 
هذه هى الحقيقة كما أراها ببساطة، وهى لا تتعارض مع حقائق أخرى ولا تلغيها، لكنها فى رأيى تسبقها: 
- مؤسسات وزارة الصحة تعانى من نقص فادح ومخجل فى التمويل ـ حقيقة.
- العاملون فى وزارة الصحة يعملون تحت ضغوط عمومية وشخصية هائلة تدفع معظمهم (شوف الصراحة بقى ـ أقول معظمهم ولا أقول بعضهم) تدفع معظمهم للتهرب من القيام بواجبات أعمالهم على الوجه الصحيح ـ حقيقة.

لكن الحقيقة الأوضح هى أن نقص التدريب والمهارات هو أكبر أسباب نقص الرعاية الصحية، وأن هذا يحدث بتواطؤ يكاد يكون صريحا من وزارة الصحة. فيما يلى مثالان دالان على ما أقول: 

فى أثناء دراستى لدكتوراه أمراض الدم المعملية، سمعت عن مؤتمر مصحوب بورشة عمل للـFLOW CYTOMETRY - hematologists will relate :) كانت  رئيس المؤتمر ومدير الورشة أستاذة سابقة لى فى معهد الأورام اللى كنت نايب زائر فيه، والاشتراك عن طريقها (بفلوس على فكرة، وبفلوس كتير كمان). رحت قابلتها ودار بيننا الحوار التالى:
أنا: ممكن أشترك فى ورشة الفلو؟ 
د. ع. ك.: المكان اللى بتشتغل فيه عندكوا مكنة؟
أنا: لا يا افندم، أنا باشتغل حاليا فى وزارة الصحة. 
د. ع. ك.: يبقى انت كفاية عليك قوى تحضر المؤتمر. الورشة لأ. 

خد بالك إن المؤتمر عبارة عن محاضرات نظرية، لكن ورشة العمل هى المهارات العملية الضرورية للشغل الفعلى. 

أما عن عدم جدية وزارة الصحة نفسها فى الإصلاح فيكفى أقول لك إنها ما زالت حتى يومنا هذا لا تملك شبكة معلومات تغطى كافة منشآتها وتربط بعضها بالبعض، أو على الأقل منشآتها الرئيسية (المستشفيات العامة مثلا) ـ ليس فقط لا تملك، بل لا تفكر فى إنشائها أصلا. وإيه أهمية شبكة المعلومات؟ شوف المثال دة وشوف الموارد اللى بيتم إهدارها حاليا وممكن نوفرها فى وجود الشبكة: 

مريض راح الوحدة الصحية التابع لها محل سكنه وكشف فى عيادة الباطنة، فطلبوا منه تحليل بول وبراز وصورة دم ـ أبسط التحاليل فى العالم. لم يسفر الكشف والتحاليل عن تشخيص محدد فتم تحويل المريض للمستوى الصحى الأعلى ـ المستشفى المركزى لمجموعة القرى التابع ليها محل سكنه ـ وهناك طلبوا منه تحليل بول وبراز وصورة دم ووظائف كبد وكلى ورسم قلب وأشعة على الصدر. لم يسفر الكشف والفحوص عن تشخيص محدد وتم تحويل المريض للمستوى الصحى الأعلى ـ المستشفى العام للمحافظة، وهناك طلبوا منه تحليل بول وبراز وصورة دم ووظائف كبد وكلى ورسم قلب وأشعة على الصدر والبطن والحوض ـ وإنزيمات البنكرياس اللى أخيرا كشفت إصابة المريض بالتهاب البنكرياس، لكن بعد إهدار موارد قد إيه نظرا لعدم وجود شبكة معلومات تخزن كل بيانات المريض التى تنتقل معه من مكان إلى مكان؟ 

فى الحلقات القادمة بإذن الله نبتدى نتكلم عن مداخل الحل ـ استعنا عالشقا بالله. 

الرعاية الصحية في مصر ـ استعنا عالشقا بالله (4)

ازاى؟ ازاى وصلنا للوضع الحالى المزرى دة؟ ازاى وصلنا للتفاوت بين القطاع الحكومى والخاص فى نوعية الخدمة المقدمة وجودتها، والتفاوت فى مستوى تعليم ومهارة العاملين بين القطاعين الحكومى والخاص أولا، وبعدين بين المستويات السبعة المختلفة داخل القطاع الحكومى ثانيا؟ 

فى كلمة واحدة: السوق


هى الكلمة دى...هى المفتاح، هى اللى تقدر لوحدها تفسر كل حاجة، هى اللى بتفسر حتى التفاوت اللى قلت عليه قبل كدة: السوق. ازاى؟ هنشوف...

لحد نقطة معينة فى الستينات، يمكن مش سهل نحط إيدينا عليها بالضبط، لكن هى فى الستينات على كل حال، ما كانش لسة التأثير الخبيث للسوق ابتدا يظهر ويفسد الرعاية الصحية فى مصر (رغم إن بذرته كانت موجودة من البداية ـ زى ما هاشرح برضه).

لحد نقطة معينة فى الستينات كانت وظيفة "طبيب" لوحدها كفاية إنها تضمن لصاحبها مركز مرموق ودخل مرتفع (مرتفع نسبيا، مش بالفحش اللى وصلت له دخول بعض الأطباء حاليا)، مهما كان المكان اللى اتعلم فيه الطبيب واشتغل فيه بعد كدة، لأن عدد طلبة الطب فى الكليات ما كانش كبير للدرجة اللى أفسدت جودة التعليم الطبى فيما بعد، فكانوا كل الطلبة بيحصلوا على تعليم متقارب المستوى والجودة، وفى نفس الوقت كانت مستويات الرعاية الصحية فى الأماكن الحكومية لم تبلغ بعد درجة الانهيار اللى هى عليه الآن، وبالتالى كان معظم المرضى بمختلف حالاتهم وأمراضهم بيلجأوا للمستشفيات الحكومية (مما يضمن تدريب وتعليم الأطباء فيها بشكل مستمر) ـ ولا يذهب إلى القطاع الخاص إلا الميسورين فعلا ـ وهؤلاء فقط يمثلون "السوق" البغيض الكريه الذى يتنافس عليه الجميع الآن لدرجة التقاتل بالناب والمخلب. بس لسة الفكرة محتاجة مزيد من التوضيح: 

الدولة طول عمرها سامحة بتواجد القطاع الخاص فى الرعاية الصحية جنبا إلى جنب القطاع الحكومى، ومش بس جنبا إلى جنب لكن كمان بنفس الأشخاص (يعنى الطبيب يشتغل فى وظيفته الحكومية وفى نفس الوقت من حقه يفتح عيادة خاصة أو يمتلك مستشفى، إلى آخر أشكال المشروعات الطبية الخاصة) وهى دى بذرة الفساد اللى قادتنا إلى وضعنا الحالى.

بعد الستينات ابتدا عدد السكان يزيد بمعدلات متسارعة، ويزيد عدد الطلبة وبالتالى عدد الملتحقين بكليات الطب (اللى فضل عددها ثابت) وتزداد صعوبة تعليمهم وإكسابهم جميعا نفس المهارات بنفس الكفاءة. فى نفس الوقت كان ابتدا الانفتاح الساداتى وظهرت فكرة انسحاب الدولة من حياة الناس وترك كل واحد لشطارته، يدبر حاله بنفسه، وتوقفت تماما عمليات التنمية فى الأقاليم (رغم إنها كانت بتتم ـ إذا تمت ـ على استحياء شديد خلال الستينات). طيب، أقاليم مفيهاش تنمية من أى نوع، والحياة فيها لا تختلف كثيرا عن العصور الوسطى، لكن فيها طلبة، بعضهم يقوده الحظ التعس للتفوق ودخول كلية الطب، وعايزين بعد ما يتخرجوا يعيشوا فى المستوى التنموى (إن لم يكن المعيشى) اللائق بمهنة الطب، يبقى إذن كلهم هينزحوا إلى المدن الكبرى أساسا، وبالذات العاصمة القاهرة (بكل معنى الكلمة) واسكندرية وقلة قليلة من المدن الأخرى...ينزحون سعيا وراء...أيوة، بالضبط، "السوق".

يعنى الطلب على المهارات الطبية زاد، لكن السوق ثابت والعرض ثابت، يبقى إيه الحل؟ فى البداية انخفض مستوى المهارات اللى بيتم تعليمها للطلبة على مستوى البكالوريوس وأصبحت الجامعات بتقدم لطلابها المهارات الطبية العملية على مستوى الدراسات العليا فقط (النواب اللى شغالين فى مستشفيات جامعية ـ واللى وضعوا رجلهم على أول سلم الوظائف الجامعية وهيئة التدريس ـ دول اللى هيبقوا أساتذة). آدى أول خطوة على طريق انهيار المهارات الطبية فى مصر وتقسيمها إلى ٧ مستويات متدرجة. طيب لما المهارات الطبية بيتم تعليمها لنواب المستشفيات الجامعية بشكل أفضل من بقية الطلبة، مش دة حافز للأساتذة إنهم يسعوا بكل الطرق لمنح أبنائهم وظائف النيابة؟ آدى الخطوة التانية: محاباة أبناء الأساتذة. فى نفس الوقت كان بيحصل تقدم كبير كمى وكيفى فى علوم الطب أدى إلى ظهور تخصصات جديدة وتخصصات فرعية من تحتها، لحد ما أصبح الممارس العام يكاد لا ينتمى إلى مهنة الطب أصلا، وبالتالى انفجر الإقبال على الدراسات العليا  بهدف الحصول على شهادات تخصص، بعد ما كانوا أطباء كتير بيمارسوا عملهم بنجاح وكفاءة بشهادة البكالوريوس بس. وتعاملت الجامعات مع الوضع دة بنفس طريقة تعاملها مع طلبة البكالوريوس: تعالوا ادرسوا وخدوا شهادات تخصص (ما دامت وزارة الصحة عايزة تخصصات وبتبعتكوا تدرسوها عندنا) لكن من حيث المهارات الفعلية مش هنقدر نعلمكم كل حاجة، هنعلمكم المهارات الأساسية فقط فى كل تخصص، والباقى كل واحد وشطارته. يعنى انخفض مستوى تعليم المهارات الطبية على مستوى الدراسات العليا أيضا: آدى الخطوة التالتة. فأصبح الوضع كالتالى: المهارات الطبية العملية أصبحت محتكرة فى المستشفيات الجامعية، كأنها مخزون بتصرف منه حسب سياسات موضوعة بمنتهى الدقة للتخديم على الصنم الأكبر: السوق. كلما زادت قدرة الطالب على منافسة أساتذته فى "السوق"، قلت فرصته فى تعلم المهارات الفعلية منهم. ودة اللى بنشوفه بوضوح لما نقارن التخصصات الجراحية والطبية داخل الجامعات وخارجها. 

الجراحة كما يعرف كل مشتغل بالطب هى علم طبعا، لكنها أساسا وبخلاف جانبها العلمى "صنعة"، يحتاج تعلمها على أصولها إلى علاقة بين الأستاذ والطالب تشبه علاقة الأسطى المعلم بالصبى...وهو دة بالضبط سبب قلة الجراحين المهرة فى وزارة الصحة خارج المستشفيات الجامعية، وانعدامهم تماما فى بعض التخصصات. مفيش أستاذ فى الجامعة مستعد يعلم واحد من خارج المؤسسة الجامعية ويديله مهارات يرجع ينافسه بيها فى "السوق" ـ هناك استثناءات طبعا. بل إن الأمر وصل فى بعض التخصصات إن الأساتذة بيحتكروا مهاراتهم حتى وهما بيعلموا أبناء المؤسسة الجامعية نفسهم ـ زملاءهم النواب والمدرسين المساعدين اللى مفروض يبقوا ذات يوم قريب أساتذة زيهم. الأمر وصل ببعض هؤلاء الأساتذة إلى أنهم ميعلموش حد خالص بدعوى إنه وصل لعلمه بمجهوده ومن حقه أن يتمتع بثماره وحده. وطبعا المكان الوحيد لجنى هذه الثمار هو...السوق. 

وبالطريقة دى انعدم إقبال الأطباء من خارج الجامعة على التخصصات الجراحية الصعبة والنادرة (اللى ذكرتها فى التدوينة "٢" من السلسلة دى ـ لأنهم عارفين إن مفيش حد عنده استعداد يعلمهالهم)، ووزارة الصحة نفسها بطلت تطلب نيابات فى هذه التخصصات لأنها عارفة إن مفيش خريجين جدد هيقبلوا عليها، واستقر الوضع الحالى اللى بتكتفى فيه وزارة الصحة بتحويل المرضى المحتاجين إلى هذه التخصصات إلى جهات أخرى خارج الوزارة. أحب أذكر برضه فى هذا السياق تواطؤ الوزارة فى كل خطوة من الخطوات اللى رسخت احتكار المعرفة والمهارات الطبية داخل المستشفيات الجامعية، بما أن وزير الصحة دايما دايما بييجى من داخل نفس المؤسسة الجامعية. 

وكانت المحصلة النهائية لهذا الوضع المزرى إن المريض نفسه (على الأقل المريض اللى عنده حظ من الوعى والتعليم) بقى عارف الوضع دة: عارف إن مستوى المهارات فى الجامعة أعلى بكتير منه خارجها، فبقى بيدور على "الأستاذ"...فى العيادة أو المستشفى الخاص طبعا، وبالتالى لم يعد يتردد على مستشفيات وزارة الصحة سوى المرضى الغلابة فعلا، قليلى الحظ من الوعى والثقافة، وبالتالى ازداد إهمال هذه النوعية من المستشفيات أكتر واكتر، ما دام المريض غلبان، والطبيب اللى بيعمل فيها كمان غلبان (فى قاع سلم المستويات، كما ذكرت سابقا) وتضاءلت فرص التدريب والتعرف على حالات جديدة، وبذا اكتملت الدائرة الخبيثة.

الرعاية الصحية فى مصر ـ استعنا عالشقا بالله (3)

مستويات القطاع الحكومى للرعاية الصحية فى مصر وطبيعة العلاقات فيما بينها: 

أولا: منشآت تابعة لوزارة التعليم العالى والبحث العلمى:
1- المستشفيات الجامعية: مستشفيات ملحقة بكليات الطب، التى تمنح درجات البكالوريوس والدبلومة والماجستير والدكتوراه ـ أعلى مستويات الرعاية الصحية من حيث التدريب والمهارات، لأن العاملين فيها يتمتعون بأعلى فرص التدريب بفضل غزارة وتنوع الحالات المترددة عليها ووجود الأساتذة المسؤولين عن التعليم الطبى (مع تحفظات على كفاءة الأساتذة وإخلاصهم فى أداء مهمة التعليم هذه سنأتى عليها فى حينها). لكن المستشفيات الجامعية إداريا لا تتبع وزارة الصحة ولا تتبع أى جهة مسؤولة عن الصحة فى مصر، بل تتبع وزارة التعليم العالى. مثال: مستشفى المنيل الجامعى التابع لكلية طب جامعة القاهرة للعلاج "المجانى"، ومستشفى قصر العينى التعليمى الجديد "الفرنساوى" للعلاج بأجر.
2- مستشفيات متخصصة تعمل كمعاهد عليا، لا تمنح درجة البكالوريوس ولا الماجستير لكن تمنح درجة الدكتوراه فى تخصصها ـ برضه أعلى مستويات الرعاية الصحية من حيث التدريب والمهارات ولنفس الأسباب. مثال (هو فى الواقع الوحيد من نوعه): معهد الأورام.
3- منشآت تابعة لوزارة التعليم العالى والبحث العلمى، لا تمنح أى درجات علمية وليس لها هدف سوى تجميع المتخصصين فى تخصص معين لتنشيط "البحث العلمى" فى هذا التخصص ـ على الأقل اسميا ـ مستوى التدريب والمهارات مرتفع هنا برضه. مثال: معهد الرمد اللى فى أول البحر الأعظم دة

ثانيا، منشآت تابعة لوزارة الصحة رغم اختلاف هياكل التبعية الإدارية: 
4- مستشفيات تابعة للهيئة العامة للمستشفيات والمعاهد التعليمية، التابعة بدورها لوزارة الصحة ـ مستوى التدريب والمهارات معقول، لكنه يظل أقل من المتاح فى المستشفيات الجامعية. الغرض من هذه الهيئة ومستشفياتها هو رفع مستوى التدريب والمهارة فى وزارة الصحة ككل، بما إن كل العاملين فيها من الاستشاريين الحاصلين على مؤهلات عليا (دكتوراه وما يعادلها) ومهتهم هى تعليم وتدريب صغار الأطباء (النواب). لكن عشان ترفع مهارات النواب فى وزارة الصحة "ككل" يبقى لازم تدرب "كل" نواب وزارة الصحة فى هذه المنشآت التعليمية، فهل يحدث هذا؟ لأ طبعا، أولا لأن وزارة الصحة فيها أزمة نواب طاحنة أصلا، ومعظم الأخصائيين بل الاستشاريين فيها بيقوموا بعمل النواب، وثانيا لأن عدد المنشآت التعليمية لا يكفى لتدريب كل العاملين بوزارة الصحة، وثالثا لأن بعض المزايا المادية التى يحصل عليها العاملون بالهيئة (العادة الكريهة بتاعة الحكومة المصرية ـ التفرقة بين الناس الذين يقومون بنفس الأعمال بالضبط فى الأجور والمزايا) جعلتهم يغلقونها على أنفسهم، باختصار ومن غير تفصيل. أمثلة: مستشفى أحمد ماهر، مستشفى الساحل، معهد القلب. 
5- مستشفيات تابعة للمؤسسة العلاجية ـ إيه بقى المؤسسة العلاجية دى؟ لغز من ألغاز الحكومة المصرية مش قادر ألاقى له حل مهما عصرت مخى...المؤسسة العلاجية تابعة إداريا لوزارة الصحة المصرية، ابتدت بمستشفى واحد هو معهد ناصر، وبعدين فضلت تتوسع لحد ما وصلت لشكلها الحالى، هيئة مستقلة زى هيئة المستشفيات التعليمية كدة، لكن كل الأطباء اللى بيشتغلوا فيها جايين عن طريق التعاقد من جهات أخرى ـ الاستشاريين من الجامعات غالبا، والنواب من أى مكان، والقلة القليلة من النواب بيبقوا نواب معينين مباشرة من وزارة الصحة (وليسوا متعاقدين) فى الحالات النادرة جدا اللى المؤسسة العلاجية بتطلب فيها نواب، وعلى شرط إنهم لن يبقوا فى المؤسسة ومستشفياتها بعد انتهاء فترة النيابة. طب إيه؟ يعنى الحكومة المصرية أنشأت مؤسسة كاملة عشان يشتغل فيها ناس غير متفرغين (وهى عارفة إنهم غير متفرغين) وعندهم شغل فى جهات أخرى حكومية وخاصة (يعنى نفس الطبيب الاستشارى المتعاقد مع المؤسسة العلاجية بيكون عنده وظيفة فى مكان حكومى آخر [غالبا إحدى الجامعات] ووظيفة تانية فى مكان خاص [عيادته أو مستشفاه الخاص] ومع ذلك عرضت عليه الحكومة المصرية وظيفة تالتة وهى عارفة إنه مستحيل يتفرغ ليها) إيه الهدف؟ والمصحف ما اعرف. هل فيه مجال للحديث عن مستوى التدريب والمهارات فى مكان يتسم هيكله الإدارى بهذا الغموض والعشوائية أصلا؟ أمثلة: معهد ناصر، مستشفى الهرم، مستشفى الهلال. 
6- مستشفيات تابعة للهيئة العامة للتأمين الصحى، التابعة بدورها لوزارة الصحة ـ واللى المفروض مسؤولة عن الرعاية الصحية لعموم الموظفين بأجر فى القطر المصرى وخصوصا موظفى الحكومة، حيث إنه بيتم استقطاع نسبة من أجورهم شهريا لصالح هيئة التأمين الصحى عشان الهيئة تعالجهم بالمجان فى أى مستشفى من مستشفياتها ـ وهنا بقى يبتدى العك. التأمين الصحى زيه زى بقية هيئات وزارة الصحة أصبح يعتمد على نظام التعاقد لتشغيل العيادات والمستشفيات التابعة ليه ـ وفى أحيان كتير بيكون المتعاقد عنده وظيفة أصلية فى قطاع تانى من قطاعات وزارة الصحة نفسها ـ آه والله! مفيش فرصة تدريب أو رفع مهارات أو كفاءة من أى نوع لأن عدد المترددين الرهيب بيمثل ضغط يصل لمرتبة الإجرام على موارد الهيئة وعلى أعصاب وقدرات وكفاءة العاملين فيها ـ انت هنا بتتعامل مع موظفى الحكومة المصرية كلهم (أيوة، الخمسة مليون كلهم) فضلا عن طلبة المدارس  وأرباب المعاشات وفئات أخرى أيضا ـ وهذا رغم محدودية عدد مستشفيات وعيادات الهيئة. أمثلة: مستشفى 6 أكتوبر بالدقى، مستشفى الجمهورية بعابدين، مستشفى التأمين الصحى بمدينة نصر. 
7- وأخيرا نصل إلى قاع القطاع الحكومى للرعاية الصحية فى مصر، المأساة البشرية اللى التهمت أحلى سنين عمرى وما زالت تنهش ما بقى منها ـ المنشآت التابعة مباشرة لوزارة الصحة المصرية. لعلكم لاحظتم أن المستويات 4 و5 و6 كانت تابعة برضه لوزارة الصحة، لكن من خلال هيئة أو مؤسسة مش تبعية مباشرة، إنما هنا بقى احنا بنواجه وزارة الصحة شخصيا فى تبعية مباشرة وفجة ـ بس هل تكتفى الحكومة المصرية بهذا لتعذيب العاملين فيها؟ لأ طبعا، لإن هذا المستوى من مستويات الرعاية الصحية الحكومية لا يخضع لتبعية وزارة الصحة مباشرة فقط، بل أيضا للحكم المحلى من خلال المحافظة التى تقع فيها المنشأة الصحية المعنية. يعنى تبعية مزدوجة. يعنى أنا مثلا فى المستشفى الذى أعمل به أتبع وزير الصحة ثم وكيل الوزارة لشؤون التخصص بتاعى (المعامل) ثم مدير إدارة المعامل بالجيزة ثم مدير المستشفى ثم العبد لله، لكن برضه بحكم الموقع الجغرافى أتبع محافظ الجيزة، ثم وكيل وزارة الصحة بالجيزة ثم مدير المستشفى ثم العبد لله. تبعية مطلقة وكاملة ليس فيها فضل لواحد من الهيكلين الإداريين على الآخر ـ الوزير يقدر ينقلنى أو يرفدنى أو يجازينى, والمحافظ برضه يقدر ينقلنى أو يرفدنى أو يجازينى...فعلام أحصل فى المقابل؟ فرص إضافية للتدريب والتعلم والترقى؟ هع. حوافز تفوق أقرانى فى بقية مؤسسات وهيئات وحبشتكانات وزارة الصحة؟ هع (أنا فى الواقع أدنى منهم جميعا ماديا ـ نحن هنا فى القاع). طيب، إمكانيات أكبر من حيث المعدات والتجهيزات لجعل العمل أكثر راحة وسهولة وإرضاء؟ هع (كل اللى بيشتغل فى وزارة الصحة عارف قد إيه الكلام دة مثير للسخرية والحسرة). 

رتبنا مستويات الرعاية الصحية الحكومية من 1 إلى 7، علما بأن فرص التدريب والتعليم الطبى تتضاءل باستمرار أيضا من 1 إلى 7 حتى تكاد تنعدم، بل فعلا تنعدم تماما فى الأخيرة. ازاى تكوّن الترتيب دة وازاى استقر حتى أصبح شبه مقبول، شبه مسلم به من الجميع (العاملين فى الرعاية الصحية والمرضى على السواء)؟ وازاى اعترفت بيه وزارة الصحة نفسها وأصبحت بتتخذ قراراتها على أساس إنه وضع قائم وطبيعى ومش محتاج تغيير ولا مسبب أى مشاكل؟ 

دى أسئلة هاحاول أجاوبها فى الجزء القادم من السلسلة إن شاء الله ـ استعنا عالشقا بالله. 

الرعاية الصحية فى مصر ـ استعنا عالشقا بالله (2)

عاوز أبين فى هذا الجزء من السلسلة إن الخلل الجوهرى فى نظام الرعاية الصحية فى مصر يكمن فى كلمة "التفاوت" ـ أو إذا شئنا المزيد من الدقة "التفاوت غير المشروع". طيب، تفاوت بين إيه وإيه؟ 

التفاوت الرئيسى هو التفاوت بين قطاعين للرعاية الصحية فى مصر، القطاع الحكومى اللى "المفروض" إنه مجانى (لا يطلب من المريض أى مقابل للحصول على الرعاية) وإنه نزيه وعادل وشامل (لا يفرق بين المرضى على الإطلاق)، والقطاع الخاص اللى بيقدم الرعاية مقابل المال. وخلينا فاكرين إن العاملين فى القطاع الحكومى هما هما (فى الأغلبية الساحقة من الحالات) نفس العاملين فى القطاع الخاص، ومطلوب منهم يقدموا نفس الخدمات للناس/ مرة بمقابل إذا قدموها فى مشروعاتهم الخاصة/ ومرة بدون مقابل إذا قدموها فى وظائفهم الحكومية ـ تفتكروا مجهودهم الرئيسى هيروح فين؟ 

ممكن ناس تقوللك: طب وإيه المشكلة؟ ما اللى معاه فلوس يروح ياخد الرعاية من القطاع الخاص، وبالتالى يخفف الضغط على القطاع الحكومى المخصص للى معاهوش فلوس, وبالطريقة دى يكسب الجميع. 

أحب أقول لحضرتك إذا كنت بتردد الكلام الفارغ دة إنك واحد من اتنين: يا إما متعرفش حاجة عن قطاعات الرعاية الصحية فى مصر، وبالذات الحكومية، وعمرك ما اتعاملت معاها، يا إما إنت من المنتفعين بفساد الرعاية الصحية فى مصر وبتردد الكلام دة ذرا للرماد فى العيون للحفاظ على منظومة الفساد (ودة على فكرة نفس الكلام اللى بتردده قيادات وزارة الصحة ـ ومن قبلهم أو على رأسهم لجنة سياسات المأسوف على شبابهم الحزن الوطنى وجمال مبارك) ـ شوف انت بقى!! لو عاوز تردد كلام جمال مبارك وأعوانه فانت حر، بس متجيش تقول لى إن هو دة الصح. 

ليه مش صح؟ لأنه زى ما قلنا من البداية، الخلل الجوهرى فى النظام هو التفاوت بين القطاعات...

فيه تفاوت هائل ورهيب وظالم بين القطاع الخاص (رغم صغر حجمه النسبى) والقطاع الحكومى (رغم ضخامة حجمه النسبية، وانتمائه إلى الدولة المصرية بجلالة قدرها وبكل إمكانياتها)... فيه خدمات يعجز عن تقديمها مستوى كامل من مستويات القطاع الحكومى فى مجال الرعاية الصحية فى مصر ألا وهو المستوى المسمى (ظلما) بوزارة الصحة...

حضرتك تعرف إن وزارة الصحة المصرية كلها على بعضها تعجز عن تقديم الخدمات التالية لمرضاها:

أولا، التخصصات الجراحية:
1- جراحة القلب والصدر
2- جراحة المخ والأعصاب
3- جراحة الأورام
4- جراحة الأوعية الدموية
5- جراحة زرع الأعضاء
6- جراحة الأطفال...وغيرها مما لا أذكره الآن؟ 

ثانيا، التخصصات الباطنية: 
1- أمراض الدم (بما فيها أورام الدم طبعا)
2- أمراض الغدد الصماء (اللهم إلا السكر)
3- أمراض المناعة والمناعة الذاتية
4- خدمات الوراثة والأمراض الوراثية...وغيرها مما لا أذكره الآن؟ 

تعرف حضرتك إن وزارة الصحة كلها على بعضها مفيهاش غير بنك دم واحد يستحق صفة بنك دم، تم تقديمه للوزارة بمنحة سويسرية؟ 

وبالتالى إذا احتجت رعاية (لا قدر الله) فى مجال من المجالات المذكورة فأنت مضطر اضطرارا للبحث خارج القطاع الحكومى المجانى, ولا تملك ترف الاختيار بين الحكومى والخاص. 

نحن إذن نتحدث عن تفاوت أصلى بين الحكومى والخاص فى الرعاية الصحية بمصر، تفاوت سببه أن الأشخاص المطلوب منهم تقديم الرعاية بالمجان هم نفس الأشخاص المسموح لهم بتقديمها بمقابل ـ هذا هو التفاوت الأصلى، الذى أدى إلى تفاوت ثانوى لكنه لا يقل أهمية عن التفاوت الأصلى، بل إنه أصبح يعمل بالتآزر مع التفاوت الأصلى لتوسيعه وتعزيزه وإدامته...التفاوت فى مستويات التدريب والمهارات بين العاملين فى القطاع الحكومى والعاملين فى القطاع الخاص (اللى جايين أصلا ـ لا يجب أن ننسى هذا أبدا ـ من أجزاء معينة من القطاع الحكومى). 

ـ إيه التعقيد دة؟ 
ـ ما أنا قلت إن تدوينة واحدة لن تكفى. هاحاول أفك التعقيدات شوية فى الجزء التالى من السلسلة ـ استعنا عالشقا بالله. 

الرعاية الصحية في مصر ـ استعنا عالشقا بالله (1)

اللى أنا عارفه وحاسس بيه دلوقت إن الموضوع الجديد دة (الرعاية الصحية فى مصر) مش هيكتمل فى تدوينة واحدة، لكن هيحتاج سلسلة متكاملة لاستيعاب الأفكار الكتير اللى عمالة تتنطط فى راسى. ودة اللى بيخلى البداية صعبة ـ كثرة الأفكار وتزاحمها وصعوبة تحديد نقاط الالتقاء والارتباط بينها. 
لكن البداية ضرورية، أى بداية، لا بد من بداية، لأن الوضع بلغ درجة من السوء بتخلى السكوت مستحيل، وخصوصا مع خبر تحرير أسعار الدواء الأخير دة

طب إيه بقى؟ للوهلة الأولى، قد يعتقد الناظر العابر أن مصر مفيهاش "نظام" للرعاية الصحية ـ مجرد فوضى لا يحكمها قانون، يضيع فيها الفقير تحت الرجلين، ويعانى فيها المستور أشد المعاناة للحصول على "مبادئ" رعاية صحية، بينما يريح الأغنياء أنفسهم من هذه الفوضى تماما، ويحصلون على رعايتهم الصحية خارج مصر أصلا. 

لكن الحقيقة إنه فيه نظام ـ نظام ظالم لـ"أغلبية" العاملين فيه و"كل" المتلقين لخدماته، ويتميز بانعدام الكفاءة لدرجة إهدار الملايين على الأرض حرفيا ـ وهدف هذه السلسلة من التدوينات هو كشف هذا النظام وآليات عمله، لمعرفة مكامن الخلل فيه (اللى بتخليه على هذه الدرجة من الظلم وانعدام الكفاءة) ومعرفة المستفيدين منه (لأن أى نظام ظالم وفاسد ومع ذلك قائم ومستمر لازم تكون فيه ناس مستفيدة منه، ويهمها تحافظ على بقائه بنفس ظلمه وفساده). 

إذا عرفنا مكامن الخلل هنقدر نعرف مداخل الإصلاح، وإذا عرفنا هوية المستفيدين، هنقدر نعرف الفئات والجهات اللى بتقاوم الإصلاح وبتحاربه، وبالتالى نحاول نحيدها ونتجاوزها تماما على طريق الإصلاح، أو نحاربها مباشرة ووجها لوجه، حسب الاختيار السياسى اللى هنختاره للإصلاح ـ وأضع ألف خط تحت هذا النعت "السياسى". 

أيوة، إصلاح الرعاية الصحية فى مصر، وحسب وجهة النظر اللى هاحاول أعرضها فى هذه السلسلة من التدوينات، هو فى المقام الأول مشروع سياسى، يتطلب قرارا سياسيا موحدا من سلطات الدولة كلها وسياسة متناغمة بها درجة عالية من التنسيق. 

أيوة، خليك عارف إن أى واحد هيحاول يقنعك إن مشاكل الرعاية الصحية فى مصر هى أساسا مشاكل فنية أو إدارية يمكن حلها من داخل الجهة الفنية والإدارية المسؤولة عن الصحة فى مصر وحدها (يعنى وزارة الصحة) ـ خليك عارف إن أى شخص هيحاول يقنعك بالفكرة دى هو شخص عايز يضحك عليك، ومش عايز يحل ولا يصلح، وهو غالبا من المنتفعين بفساد نظام الرعاية الصحية فى مصر.

كانت هذه مقدمة السلسلة، وإلى التدوينة التالية ـ استعنا عالشقا بالله. 

الأربعاء، 23 مايو 2012

موش بموناسبة الانتخابات...نوهائي

بقى صلوا بينا عالنبى..

كلنا عارفين انها حرب، والحرب خدعة.

طيب، فيه شخص معين كدة، فى الحرب دى اللى هى خدعة، متعود دايما ومن زمان إنه يطلع لنا كل شوية بحبة معلومات جايبها من معسكر الأعداء رأسا...ليه بقى؟ لأنه هو أصلا، زى ما لمّح قبل كدة، بيشتغل فى مكان ما، ما قالش عليه طبعا، قريب جدا من معسكر الأعداء، وعلى صلة وثيقة بيهم...دة باعترافه هو يعنى.

والمعلومات أو التنبؤات أو التحليلات اللى بيجيبها لنا من معسكر الأعداء رأسا أثبتت صحتها فى أوقات كتير، ولهذا السبب اكتسب صاحبنا مصداقية عالية جدا وسط مجموعة لا بأس بها من حبايبنا، وبقى عندهم (استغفر الله العظيم من كل ذنب عظيم) بمثابة الوحى المنزل الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه...

لحد كدة پيس وقشطة وما جراش حاجة, صح؟ 

إنما احنا استفدنا إيه من ادعاء صاحبنا دة إنه معانا ومش مع الناس التانيين؟ يعنى إيه الخطة اللى صاحبنا بينادى بتنفيذها، اعتمادا على ما يأتينا به من معلومات ثمينة، من معسكر الأعداء رأسا، ولما تتنفذ إن شاء الله يتم المراد من رب العباد وننبسط كلنا؟ 

الكفاح المسلح ولا شىء سواه


آه والله، الباشا عايزنا نشيل السلاح وننزل ندور الضرب فى الأعداء لحد ما نفنيهم عن آخرهم، وساعتها بس نقدر نقول بشىء من الاطمئنان إننا نجحنا.
الكفاح المسلح فى بلد عبارة عن ربع متر ف متر إلا ربع من الخضرة وشوية ميا، حواليها الصحرا من كل ناحية، وعلى حدودها العدو التاريخى اللى كان وسيظل هو العدو الأول...ومحشور فيها 90 مليون نفس من أغلب وأطيب الشعوب فى العالم.
الكفاح المسلح فى بلد عبارة عن امتداد عمرانى واحد متصل، من البحر لجنادل النهر العظيم، ومن الصحرا دى للصحرا دى (يا قلبى لا تحزن)، ومش ممكن تمشى خطوتين فى هذا الامتداد المتصل من غير ما تلاقى ناس شبهك وانت شبههم...
يعنى الرصاصة اللى هتضربها، إذا ما جاتش فيك إنت شخصيا هتيجى فى أخوك أو ابنك أو حماتك :-) أو بالكتير خالص خالص فى جارك اللى كلت معاه عيش وملح!
يعنى باختصار، استراتيجية المقاومة (الوحيدة ـ ما تنسوش إنها الوحيدة) اللى بينادى بيها... مستحيلة التنفيذ أصلا، بالنظر لطبيعة البلد وطبيعة أهلها وتاريخهم... وإذا واحد قل عقله وفكر يبتدى ينفذها يبقى العدو التاريخى يضربنا بقنبلة نووية أحسن!

يبقى احنا قدامنا واحد بيجيب معلوماته من معسكر الأعداء شخصيا، وتنبؤاته كلها بتتحقق، وكأنه عايز يقول لنا إن الأعداء دول ـ استغفر الله العظيم ـ ناقص يقولوا كن فيكون: كل اللى عايزينه بيعملوه بحذافيره وحتى آخر تفصيلة، ولا كأننا موجودين... ولما يتكلم عن المقاومة بيدينا خيار واحد وحيد مستحيل يتحقق أصلا وإذا تحقق سيكون كارثة لا تقل عن هيروشيما ونجازاكى مع بعض كدة كومبو!

إذن لما أظن، علما بإن "بعض" الظن فقط إثم، لما أظن إن صاحبنا دة مدسوس علينا بالقصد والعنية من معسكر الأعداء (اللى هو نفسه معترف بصلته بيه بشكل من الأشكال) عشان يقنعنا بأن معسكر الأعداء هو ـ أستغفرك يا رب وأتوب إليك ـ الرب كلىّ القدرة، وبإننا عمرنا ما هننجح ولا نفلح إلا بكارثة الكفاح المسلح (اللى هى عز الطلب بالنسبة لمعسكر الأعداء) والبديل الوحيد هو اليأس والاستسلام...لما أظن فى صاحبنا دة إنه جاسوس كدة وش... أبقى باتجنى عليه؟

الجمعة، 20 يناير 2012

واحنا مش واخدين بالنا

والبرلمان المنتخب؟ والإرادة الشعبية؟

لا تقال هاتان العبارتين (ودائما بصيغة السؤال البلاغى الاستنكارى الذى يكاد أن يلم عليك الناس تجريسا لفعلك الفاضح فى الطريق العام) إلا بغرض واحد: أن يلقمك القائل حجرا تنكتم بعده فلا تنطق. وإن نطقت فأنت تستحق كل ما هو بسبيل إلصاقه بك من سلسلة الاتهامات التالية:
1-   التعالى على الشعب.
2-   النخبوية البغيضة.
3-   الجهل المركب.
4-   الخيانة والعمالة لأعداء الأمة.
5-   ثم الزغلولة الكبرى: تعمد شق وحدة الصف خدمة لأهداف العسكر.

مع أن الأمر فى الحقيقة لا يتعلق بالشعب ولا بالإرادة الشعبية, التى هى محور السلطة وعمادها فى أى نظام يريد أن يوصف بأنه ديمقراطى, بقدر ما يتعلق بالمؤسسات المسؤولة عن حماية تلك الإرادة الشعبية من التلاعب اللاديمقراطى, وصيانة حريتها فى التعبير عن نفسها فى وجه أى تجاوز سلطوى, من أية سلطة.

لكن لنبدأ من البداية, لنبدأ بالسؤال أو مجموعة الأسئلة التى قادت إلى ما سبق:
1-   هل نحتاج مرحلة انتقالية بعد ثورة 25 يناير 2011 أم لا؟
2-   وإذا كانت إجابة 1 بالإيجاب, فلماذا؟ لإصلاح الحياة السياسية أم لسبب آخر؟
3-   وإذا كانت إجابة 2 بأى نعم لإصلاح الحياة السياسية, فهل يكون انتخاب البرلمان بداية هذا الإصلاح أم مسك ختامه؟

ليس تعاليا على الإرادة الشعبية إذن, وليس هنالك شبهة, مجرد شبهة, احتقار للشعب, أن يقال إن البرلمان الذى انتخبه لا يعبر عنه تمام التعبير, وأنه لن يحقق مصالحه التى سيطول انتظاره لها إذا انتظرها من هذا البرلمان.
لأن الاحتقار هنا, كل الاحتقار, إنما ينصب على المؤسسات التى انتخب هذا البرلمان فى ظلها, المؤسسات التى كانت أكبر داعم للمخلوع فى طغيانه وفساده, والتى لم تمتد إليها حتى اليوم ـ بعد عام ينقص أياما قليلة من الثورة ـ أى يد بتغيير أو إصلاح أو تطهير.

الاحتقار كل الاحتقار لمؤسسة القضاء الفاسد, الذى لا يعرف من العدالة حتى اسمها, الذى برّأ ويبرّئ وسيبرّئ القتلة وهو يرى الدماء على أيديهم, الذى أشرف على انتخابات مبارك ويشرف وسيشرف على انتخابات خلفائه فى الطغيان والفساد, الذى قاوم كل محاولة للإصلاح من داخله, وتضاءل وتصاغر حتى صارت أقصى أمانيه أن ينال حقا لا ينازعه فيه منازع بتوريث الأنجال مناصب الآباء.

الاحتقار كل الاحتقار لمؤسسة النيابة العامة, التى كلفها القانون بالدفاع عن حق المجتمع فإذا بها تحمى جماعة من القتلة والمجرمين وهواة التعذيب من أحط وأسفل خلق الله فى أرضه على امتداد تاريخها, ثم تتنطع لملاحقة المدافعين الحقيقيين عن هذا المجتمع وعن حريته وكرامته, فتدقق فى كل بلاغ يقدمه فى حقهم عتل زنيم من أذناب هذا النظام القذر, حتى ولو كان كلبا أجرب يستنكف أى مواطن شريف يعرف معنى الكرامة أن يتنفس معه هواء واحدا.

الاحتقار كل الاحتقار لمؤسسة الشرطة التى لا  نحتاج أصلا للحديث عن فسادها وطغيانها, ناهيك عن فشلها والانعدام التام للكفاءة والمهنية بداخلها.

الاحتقار كل الاحتقار للقوانين المنظمة للحياة السياسية, التى سمحت فجأة, وكأنما بحيلة من حيل المونتاج السينمائى, سمحت لجماعات كانت بالأمس ـ بالأمس فعلا لا مجازا ـ تحرّم السياسة والتحزب وتكفّر الديمقراطية والديمقراطيين, سمحت لها اليوم بإنشاء أحزاب أنفقت ملايين غير معلومة المصدر بين يوم وليلة لشراء المقرات ورفع اللافتات.

الاحتقار كل الاحتقار للقوانين المنظمة للدعاية الانتخابية, التى سمحت وتسمح وستسمح باستغلال شظف عيش الناس ومعاناتهم اليومية للحصول على أبسط ضرورات الحياة, لتحويله إلى لحم رخيص لا يباع لهم إلا قبل الانتخابات, وأنابيب غاز لا تأتيهم حتى البيوت ـ إن كان لهم بيوت ـ إلا قبل الانتخابات, ناهيك عن قذارة التعريض بعقيدة المنافسين والتفتيش فى قلوبهم التى فى الصدور.

فهل يمكن بناء حياة سياسية سليمة على كل هذا الاحتقار؟ وهل يمكن للفترة الانتقالية أن تبدأ مع كل هذا الاحتقار؟ أم أنها بدأت وانتهت واحنا مش واخدين بالنا؟