Follow me on Twitter

الثلاثاء، 22 نوفمبر 2011

من غير عنوان

يوم ١١ فبراير تسلم المجلس العسكرى إدارة البلاد.
ولأن الجيش مش قوة ثورية ولن يكون أبدا، ناهيكم عن مدى ثورية المجلس نفسه بمشيره وفريقه وسلطاته وبابا غنوجه، كان ضروريا أن تحاول الثورة تحقيق أهدافها من خلاله، عبر آلية الضغط والمطالبة، الضغط بالمظاهرات والاعتصام أحيانا، والتقدم بمطالب الثوار فى هذه المظاهرات.
والحقيقة  ـ ومن غير شتيمة لو سمحتم ـ أن المجلس أبدى مرونة كبيرة، واستعدادا للتفاهم على كل شىء ومع كل الأطراف:
- غيّر المجلس حكومة البلوفر، وجاب لنا حكومة الراجل الكمّل عصام شرف من الميدان، وشلناه على كتافنا يوميها وكنا فرحانين ولا كأنه نبى الثورة.
- اعترضنا على الدستور فعمل لنا استفتاء على بعض مواده، وبعدين راح مطلع إعلان دستورى بمواد جديدة، وبعدين قعد يلاعبنا بوثائق فوق دستورية واحدة ورا التانية، من البسطويسى ـ عشان بس ما حدش ينسى ـ للسلمى، مرورا بوثيقة الأزهر.
- طلبنا محاكمة مبارك وقتلة الثوار فحاكم مبارك وقتلة الثوار...صحيح مفيش أحكام صدرت إلا على اتنين أمناء شرطة هربانين، لكن احنا ما طلبناش أحكام، احنا طلبنا المحاكمة بس.
- طلبنا استعادة أموالنا المنهوبة فأنشأ جهازا كاملا لاسترداد الأموال...صحيح بعد ٣ شهور كاملة، قضاها اللصوص فى إخفاء معالم الكنز المسروق، لكن معلش، المهم أنه لبى لنا طلباتنا.
- طلبنا حل المجالس السابقة فحلها كلها.
- طلبنا حل الحزب الواطى فحل الحزب الواطى.
- طلبنا تطهير الحياة السياسية من الفلول فقعد يدرس فى قانون الغدر، وفى الآخر طلعلنا قانون العزل.
ويمكن يكون فيه أمثلة تانية بس أنا مش فاكرها دلوقتى، ما هو أنا عقلى مش دفتر.

حاجة واحدة بس ما عملهاش المجلس العسكرى، ومش هيعملها المجلس العسكرى، لأنها سر بقاء دولة المجلس العسكرى، ودولة مبارك من قبله: تفكيك الدولة البوليسية.

ولن أكلف نفسى عناء توضيح أن تغيير اسم جهاز أمن الدولة إلى قطاع الأمن الوطنى، وإحالة بضعة لواءات إلى التقاعد، ممن بلغوا سن التقاعد أصلا، لا يعنى على الإطلاق أى مساس بالدولة البوليسية.

والآن، فى المزنق الخطير الذى تجد فيه الثورة نفسها، وبعد ردود الأفعال التى تبدو مرحبة بخطاب المشير طنطاوى اليوم ٢٢-١١-٢٠١١، وطرحه لفكرة الاستفتاء على بقاء المجلس مديرا للمرحلة الانتقالية اللى مش عارفين هتنقلنا لفين، فقد حان الوقت لمراجعة بعض البديهيات واستخلاص بعض النتائج منها.

هناك ما يشبه الإجماع على أن الحكم العسكرى هو سر النكسات المتتالية التى تعرضت لها مصر فى تاريخها الحديث، وعلى ضرورة الخلاص منه أخيرا بقى بعد ثورة عارمة، أخرجت الشعب المصرى عن بكرة أبيه تقريبا إلى الشوارع، مرتين فى خلال ١٠ شهور...
وأنا أشارك هذا الإجماع وأضم صوتى إلى صوته، بس خلونى أفكر معاكم بصوت عالى: هو إيه بالضبط اللى مخلى الحكم فى مصر عسكرى؟
- هل ورد ذكر العسكر كمؤسسة حاكمة فى أى دستور تبنته مصر طوال تاريخها الحديث؟ أبدا.
- هل يحتجز العسكر لأنفسهم "كوتة" فى البرلمان، أو حصة معينة من المناصب الرسمية، فيما عدا حكم المحافظات الحدودية، باتفاق مكتوب؟ أبدا
- هل يمثل العسكر حزبا سياسيا، يتصادف أنه "يفوز" بالانتخابات دائما وبالتالى يبقى فى الحكم إلى أبد الآبدين؟ أبدا

أمال إيه اللى مخلى الحكم عندنا عسكرى؟

إنها الدولة البوليسية، التى لن يعمد العسكر إلى تفكيكها طواعية أبدا.

الدولة البوليسية هى التى تتيح للعسكر احتكار منصب رئيس الجمهورية،عن طريق تكليف وزارة الداخلية ـ يعنى البوليس ـ بتزوير الاستفتاءات، ومن بعدها الانتخابات، الرئاسية، وضمان حصول مرشحهم على أعلى الأصوات، ثم تلفيق التهم لمنافسه الأقرب وإلقائه فى السجن عدة سنوات، والإفراج عنه بدواع صحية وتصوير الأمر على أنه مكرمة من السيد الرئيس. هل يذكّركم اسم أيمن نور بشىء؟ 
الدولة البوليسية هى التى تتيح للعسكر تلفيق القضايا ضد المعارضين، وتعذيبهم وقمعهم ومطاردتهم فى أرزاقهم، وفى أى مكان يمكن أن يصل فيه صوتهم للناس، فى ندوات الجامعات أو المساجد أو الكنائس، وتغييب القضايا ضد المعاونين فى الأدراج، مهما تكررت البلاغات المقدمة فيهم للنيابة الحرة النزيهة.
الدولة البوليسية هى التى تمنع استقلال القضاء، وتعمل عامدة على إفساد بعض رجاله بالمناصب المخترعة والانتدابات المغرية، حتى تسيطر من خلالهم على صناديق الانتخابات، وفى بعض الأحيان تستغنى تماما عن الإشراف القضائى على تلك الصناديق، كما فعل مبارك فى أيامه الأخيرة، حين تتعالى همهمات الاحتجاج من بعض القضاة، خجلا من صفاقة التزوير الذى اضطروا للإشراف عليه.

وأنا فعلا والله مش فاهم، ما هذه الثورة التى تصف نفسها بأنها ثورة حرية وكرامة، ثم لا تجعل من تفكيك الدولة البوليسية مهمتها الأولى، وشغلها الشاغل فى المرحلة الانتقالية؟ يعنى إذا قلنا إن هذه التغييرات الكبرى ليست مهمة الحكومة الانتقالية والمفروض أن تجريها أول حكومة منتخبة، يبقى أنا عاوز حد يحل لى المشكلة دى: كيف ستتعامل أول حكومة منتخبة مع وزارة الداخلية وهى على ما هى عليه من وساخة؟ هيجيبولها وزير منين؟ وهيعمل إيه مع وكر التعابين دة؟

ما علينا، المهم إننا دلوقت فى منعطف شديد الخطورة، والمطالب المرفوعة تحير بعض الناس وتهدد بانقسام جديد لقوى الثورة، فليه ما نخرجش من مجزرة الأيام الخمسة الأخيرة بمكسب واحد على الأقل، خاصة لو كان هذا المكسب توافقيا وكفيلا بإعادة تعاطف الناس مع الثورة بعد التهديدات الأخيرة التى تعرض لها هذا التعاطف؟

إننى أسألكم بكل ما بقلبى من لهفة على بلدى وخوف على ثورتى التى فتحت لى ـ ولكل المصريين ـ باب الأمل فى حياة كريمة على تراب مصر، هل يمكن أن يختلف إخوانى مع علمانى، أو يسارى مع كنباوى، على هذه المطالب: 
١- إعادة هيكلة وزارة الداخلية بالكامل، على أساس الخطة الواردة هنا.
٢- تطهير النيابة والقضاء، والشروع فى إعداد مبادرة مماثلة لمراقبة الفساد فى هاتين المؤسستين، ودراسة جعل بعض المناصب بالانتخاب محدد المدة، كالنائب العام مثلا.
٣- وفى الآخر نعصر على نفسنا قفص ليمون ـ إذا فشلنا فى الخلاص من المجلس عن طريق اعتصام التحرير الحالى، أو الاتفاق على آلية هذا الخلاص ـ ونقبل وجوده لحد يونية ٢٠١٢ زى ما وعد، بشرط أن يخلصنا من الدولة البوليسية...وأنا أزعم أن الخلاص من الدولة البوليسية كفيل فى ذاته بتخليصنا من حكم العسكر.