هل كان تقديم قضية حق الشهداء مشوبا بخطأ ما؟
القضية واضحة كل الوضوح ـ أو ينبغى أن تكون: محاكمة قتلة الشهداء, من أصغر ضابط حتى الفاسد المخلوع, والاقتصاص منهم جميعا, هذا فى المقام الأول حق للمصريين جميعا...لأن محاكمة القتلة من شأنها المساهمة فى القضاء على ثقافة الإفلات من العقاب السائدة فى وزارة الداخلية المصرية, وبالتالى فهى الخطوة الأولى على طريق تفكيك الدولة البوليسية, وإسقاط جمهورية الخوف.
إذا كانت الحرية والكرامة الإنسانية من مطالب الثورة المصرية, فمن البديهى أنهما لن تتحققا فى جمهورية الخوف, فى دولة أمن الدولة, وإذن فإن حق الشهداء, أى محاكمة قتلتهم والاقتصاص منهم, ليس حقا لأسر الشهداء فقط, بل هو حقنا كلنا.
لكن ما حدث هو أن القضية قدمت للناس بنوع من الشخصنة, ظهر فيها هذا الحق وكأنه حق شخصى لأسر الشهداء وحدهم, مما أدى إلى بعض النتائج غير المرغوبة:
1- اصطبغت القضية أحيانا بصبغة "شرعية", أفسحت المجال لظهور تعبيرات مثل "أولياء الدم", مما أتاح لبعض الأدعياء والمتنطعين ـ ولعلنا عرفنا أنهم أدعياء متنطعون فى جمعة 29 يولية ـ مساومة أهل الشهداء على حقهم, فى مقابل الدية "الشرعية": مئة ناقة أو ما يعادلها!
2- تصورت أعداد يتفاوت تقديرها من جموع الشعب المصرى, صاحب المصلحة الأكيدة فى القصاص للشهداء, أن القضية لم تعد تعنيهم مباشرة, بما أن للدم "أولياء" مسؤولون عنه, وبالتالى خسر اعتصام أهالى الشهداء فى ميادين التحرير جمهورا من المتعاطفين, بل والمشاركين, كان تعاطفه مضمونا لو أُحسن عرض القضية عليه.
3- تضاءلت القضية الآن, حتى وصفها بعض أنبل النشطاء وأدقهم فهما لثورتنا بأنها قضية حقوقية وأخلاقية...وهى بالطبع كذلك, لكنها فى الأساس قضية سياسية, ما دامت تمثل جزءا من المهمة الضرورية التى لم تنجزها الثورة بعد, ولن تنجح إلا بإنجازها: تفكيك الدولة البوليسية, وإسقاط جمهورية الخوف, لكى يتحقق, حقا وصدقا, مطلبا الحرية والكرامة الإنسانية.